رَكـِبَ الملازم القذافي (رأسه بالمقلوب)، وبدأ بتنفيذ
قراره، وتجنيد طالبات جامعة بنغازي عنوة. كان هذا القرار سابقة لم
يقدم عليها أيّ حاكم، لليبيا عبر تاريخها الطويل، فكانت النتيجة
الطبيعيّة، لإستخفافه وتحديه الصارخ لأعـْراف وتقاليد الشعب الليبي
مخيّبة لـَما يشتهيه الملازم، ففي فجر يوم 8 سبتمبر74 م بدد سكون
بنغازي رصاصتين من بندقيّة (مَقـْرون). مزقت تلك الطلقتين رتابة
المدينة، واحد الحراس المدججين بالسلاح الذين كانوا على مدخل بيت
الطالبات، في عمارة مفراكس، بشارع الإستقلال والذى كان مقرا
لِمَـبـِيت الطالبات المُجبرات على التدريب العسكري!
أيقن اللص الإنقلابي أنّ الرصاصات التى أدت الى وفاة
الجندي الذي كان يحرس بيت الطالبات لم تكن موجهة، لهذا الجندي، بقدر
ما كانت موجهة، إليه شخصيـًا رافضة، لحكمه وتطلعاته المريبة، وعلى
الفور أصدر الملازم الشاذ تعليماته الصارمة، بضرورة القبض على من
تجرّأ وتمردعلى رفض قراراته المقيتة التى يريد منها (نعي شرف رجالنا
وعفة بناتنا) ومعاقبة من قاوم بالبارود مخططاته الدنيئة.
تحركت الدوريّات والتحرّيات، والشرطة العسكريّة،
وبقيّة شـُعـَب الإستخبارات، بالبحث عن من أطـْلـِق الرصاص، وقبل
الصباح تم إلقاء القبض على الشاب محمد عبدو بن غلبون أحد أبناء مدينة
بنغازي المتمردة الرافضة المشاكسة، بسليقتها للمتكبرين الأنذال.تم
التحفظ عليه في سجن الكويفية، كمتهم مشتبه فيه، وقد وُجّـِهت اليه
تهمة القتل المتعمد، لرفضه فكرة تجنيد بنات الوطن، ومحاولة إخراج
احدى شقيقاته الطالبة، بكليّة الحقوق، في جامعة بنغازي، بقوة السلاح
والتى كانت مقيمة في بيت الطالبات إستعدادا لإلتحاقها مع زميلاتها
بقوة البطش والترهيب، لبدعة التجنيد الإجباري. طاف الشاب محمد بن
غلبون بين جميع الأقبيّة المظلمة لإستخبارات، ومراكز التوقيف
الليبيّة، في مدينة بنغازي، وتعرض لمختلف صنوف التعذيب الوحشي حتى
أشرف على الهلاك، لكنه ظلّ متماسكا صامدا لم ينهار كما كانوا يتوقعون
ويحلمون بأن يَجـُر معه العديد من الرجال. أرعب توقيت، وأسباب هذه
الحادثة أركان السلطة الباغيّة، حيث كانت الأولى من نوعها التى يُتهم
فيها مدني، وخشت الإجهزة الأمنيّة وقياداتها أن تكون لها توابع، و
سُـنـّة جديدة لمقاومة إعتداءات القذافي على حُرمات المواطنين، وكانت
الأجهزة الأمنيّة مقتنعة تماما، بأنّ هذ االعنف والجسارة الذى وقع،
في قلب مدينة بنغازي لايمكن أنْ يكون عملا فرديـًا. مكث محمد بن
غلبون فى سجون بنغازي خاضعا، لتحقيقات شاقة مرهقة قرابة عام أويزيد،
بقليل، ثم أصدرت المحكمة قرارا، بإطلاق سراحه، لعدم توفر أدلة دامغة،
لإدانته، وتم بالفعل إطلاق سراحه، لكن النيابة العامة لم تغلق ملف
القضيّة نهائيـًا، وحولت القضيّة على المباحث العامة، وبقيّة الأجهزة
الأمنيّة الى متابعته وعد أنفاسه.
 |
محمد بن غلبــــون |
ذكر لي الصديق المناضل المرحوم فتح الله انديشية إبن
مدينة درنة قلعة المعرفة، والنضال التى رفضت حكم الطغاة مُبكرًا
وتحديدا في شهر ديسمبرعام69 م، حيث اشتبكت مع جنوده المتمركزين في
الحاميّة العسكريّة، وتم طرد تلك الكتيبة من المدينة، ومنذ ذلك
التاريخ سجل الملازم مدينة درنه، في سجله الأسْود، وتعامل معها
بقسوة، فما كان، لدرنة، والقرى المجاورة لها خيار سوى الرد عليه،
بسخريّة وقسوة أشد ستلوح ملامحها فيما بعد. أيها الكرام قبل أنْ
أحدثكم عن ما ذكره لي المناضل فتح الله انديشة عن القضيّة التى حدثت،
في 8 سبتمبر عام74 م و تم بمقتضاها إعتقال محمد بن غلبون، وكانت في
حينها حديث كـُلّ الناس وخاصة الرافضين منهم، لحكم الملازم الذي كشر
عن انيابه وبدأت تتضح معالم الطريق لظلمه وجهله وتفرده بالحكم
وإستحقاره للجميع. قبل أن أسرد ما رواه فتح الله انديشة عن قضية محمد
بن غلبون. إسمحوا لي أنْ اُعَرّجَ، بحضراتكم على شخصيّة فتح الله
انديشه الوطنيّة التى ربما لا يعرفها الشباب الذين ولدوا مابين أعوام
73م، و76م.
فتح الله انديشة طالبـًا نجيبًا متفوقـًا، في كلية
الأداب قسم الفلسفة، وكان عضوا نشطـًا، في إتحاد الطلبة. تعرض
للإعتقال بعد هزيمة حزيران عام67م في ((العهد الباهي))، ولم يدم
إعتقاله سوى عدة اشهر، لرجاحة عقل، وحِكمة ملك البلاد السيد محمد
ادريس السنوسي الذى كان الأب الحنون، للجميع والقائد المؤسس، لدولة
الدستور، فقد أصدر الملك الصالح رضوان الله عليه عفوا عن فتح الله
انديشة، والعديد ممن شملتهم تلك القضيّة وخاصة شباب الثانويّة الذين
كان فتح الله إنديشة واحدا منهم. تـَمُر الأيام، والسنون، ويسطو "على
بابا، وحراميـّته" على بنك ليبيا المركزي، والإذاعة، ومن خلف
الميكرفون يعلن الملازم البيان رقم واحد، وآلت مـِلـْكِية ليبيا،
وماعليها وما تحتها من خيرات إليْه بالكامل، كأنها إرْث ورثها عن
أبـِيْه بالتبني بومنيار. فماذا حدث لفتح الله إنديشه وغيره بعد
ذلك؟. بعد خطاب زوارة عام73 م تم إعتقال فتح الله إنديشة مع مئات
الرجال من كل المناطق الليبية، بقيّ هناك عدة أشهر ثم اُطلق سراحه.
فتح الله إنديشة رجل فكر وحوار، فسلاحه، وأدوات معاركه
ضد الفاشيّة كانت الحُجـّة، والقلم، لم يكن فتح الله عنيفـًا كان
رقيقـًا مُرهف الحِسْ، ولم يكن يؤمن بالعنف أبدا. ذات يوم جاء الى
حرم الجامعة الليبي ((الـْهُـفـْـكْ)) الرائد بشير الصغير هوادي،
وكان يومها عضوا، بمجلس قيادة الثورة ووزيرا للتعليم لإلقاء محاضرة،
لم تكن هذه المحاضرة بالمعنى الأكاديمي بل كانت (محاصرة) لأفكار،
وتطلعات الطلبة. كان (الهـُفـْكْ)هوادي موتورا، وتصادمي مع طلبة
الجامعة، وخلال هذا التصادم المُبيت من قبل هوادي الذى خرج، كعادته
عن اللياقة والأدب وخاطب فتح الله إنديشة الذى كان يحاوره، بشموخ
وغيرة على الوطن، غير أنّ هوادي لم يسطع عليه صبرا، وخرج هوادى،
وتخلى هوادي عن أدب الحوار وقال: (بلغة شـْوَارْعِـيّة) مخاطبـًا فتح
الله انديشة ((نحن اللي خليناكم رجاله)) بادره فتح الله انديشة على
الفور قائلا: اسمع يا رائد بشير نحن رجال فى العهد السابق وسنبقى
رجال فى عهدكم وسنكون رجال بعد عهدكم. تلعثم هوادى ثم ازبد بسىء
القول وانصرف غاضبـًا، ومنذ ذلك اللقاء صُنـّف فتح الله إنديشة، في
ملفات الأمن، والجوسسة كعدو، (لإنقلاب الفاتح) وصارو يتربصون به.
اُعتقل فتح الله انديشة في احداث 76 م وتعرض لأبشع
صنوف القهر، والإذلال، وبما أنّ فتح الله انديشة ذو طبيعة رومانسيّة
حالمة، وإنسانيّة مهذبة، فإنـّه لم يستطع تحمل قسوة القساة، فعانى من
أمراض عدة كان أشدها فتكـًا به مرض نفسي جعله حاد المزاج، وسيطرت على
شخصيته الوساوس، والظنون والرّهاب المَرضي. بقي على هذه الحالة داخل
السجن دون أيّ علاج، ثم أطلق سراحة فيما سمي ((بأصبح الصبح))، فخرج
من المعتقل مهزوما مكسور الكبرياء ويُعاني من اضطرابات نفسيّة، بعد
إثنى عشر سنة ضاعت من شبابه، في سجون ومسالخ جماهيرية الرعب، وبعد
خروجه من السجن بعدة سنوات مات المناضل فتح الله انديشه يشكو ربّ
الناس من ظلم الناس.
بعد هذه السطور القليلة عن المناضل فتح الله إنديشه
أعود بحضراتكم، لحديث فتح الله إنديشه عن حادثة إعتقال محمد بن غلبون
عام74 م.
يومها قال لي فتح الله إنديشه: إنّ ما يحدث الآن في
ليبيا من قبل الطغمة العسكريّة الحاكمة بقيادة القذافي ليس خطأ فكري
يُـقـََوّمْ بالحوار، والفكر والقلم، فالخطأ القائم في ليبيا جُرم
مرتكز على القوة والطغيان، وبالتالى فإنه خطأ مادي لايُـقـَوّمْ إلا،
بالتصدي له بقوة السلاح، والعنف مهما كانت النتيجة، فإنْ إستمر سكوت
الشعب على إنتهاك حُرماته ومقدراته، فإنّ القذافي سيتمادى، في شذوذه
وطغيانه، ولن ينتبه له الجميع إلا بعد أن يستقوي على الجميع،
وبالجميع، فالقذافي لا ضمير، ولا أخلاق له تردعه، وسيجر البلاد
والعباد جَرًا الى حرائق، ودمار رهيب وسفك دماء غزيرة، ثم يضيف فتح
الله إنْ ثبت أن محمد بن غلبون هو الذى أطلق الرصاص على بيت الطالبات
الذى يريد القذافي أن يحوله إلى بيت للطاعة، و(.......)، وثكنة
عسكريّة لبنات ليبيا، فغرضه من ذلك هو بعث رسالة واضحة الملامح للشعب
الليبي مفادها أن بناتكم وأعراضكم هي الآن مِلـْك مشاع لي،
ولـِمُريدِي، و لأوامرى، ومن يريد أنْ تثـْكله اُمه، فليتجرأ ويقول
لا، ويضيف فتح الله كـُلّ ما أتمناه أنْ يكون محمد بن غلبون هو الذى
أطلق النار على بيت الطالبات الخاضعات، للتدريب العسكري، ومحاولة
إخراج شقيقته بالقوة، فلعل هذه الحادثة تكون بداية المقاومة ورفع
هِمَم بقيّة الشعب، لرفض شطحات هذا الدكتاتور القزم الذى لم يعد يعر
مشاعر وعادات شعبه أيّ إحترام. ها هُـو فتح الله إنديشة المثـقف
المسالم الرومانسي الذى يكره العنف بطبعه، يتمنى من أعماقه أنْ يكون
بن غلبون الفاعل الحقيقي، لحادثة إطلاق النار، ويضيف فتح الله قائلا
إذا كان محمد بن غلبون هو الذي اطلق الرصاص، فإنـّه قد سَجـَلَ، في
سِجـِل حركة النضال الليبي، أنه أول مواطن ليبي (مدني) منذ إنقلاب69م
يطلق الرصاص الحي ضد سلطة القذافي رافضـًا، لِسلطة، وأوامر هذا
الدكتاتور.
تابع فتح الله إنديشه بدقة تداعيات هذه الحادثة، بكل
تفاصيلها عن طريق صهره المقدم أحمد فوزي هلال الذى كان يشغل منصب
وكيل وزارة الداخليّة، في تلك الفترة، وقد قدم المقدم هلال إستقالته
مُبكرا، لعدم رضاه عن الممارسات الشرسة التى تقوم بها الأجهزة
الأمنيّة ضد المواطنين، وبما أنّ المقدم هلال كان يـَطـّلِعْ على بعض
تقارير، ومجريات القضية، ولصلة قرابته وَثِـقـَتِه، بفتح الله إنديشه
فقد روى لي فتح الله بعض حكايات تلك القضيّة نقلاعلى لسان المقدم
الوطني أحمد فوزي هلال، ومن حكايات المقدم هلال عن هذه القضية.
"قال المقدم أحمد فوزي هلال، لفتح الله انديشه، لقد
تعرض المتهم محمد بن غلبون أثناء التحقيقات المتواصلة ليلا ونهارا،
للعذاب الشديد، وعلى الرغم مما لاقاه هذا الرجل من عذاب وتنكيل لم
تـُسفر هذه التحقيقات الهمجيّة على تورطه، في القضيّة، ويضيف المقدم
هلال قائلا: أمام اصرار محمد بن غلبون على موقفه الثابت لرفضه هذه
التهمة التى كان يتابع مجريات تحقيقاتها العقيد القذافي
شخصيـّـاوكبار قادة الإستخبارات، بكل فروعها، ورغم كل التجاوزات
البدنيّة التى لحقت به، لم يُوّرط أحدا من اصدقائه أبناء مدينته كما
كانت ترغب سلطة الإنقلاب بالزّج بأكبر عدد من أبناء بنغازي، لمعاقبة
أبنائها، والتنكيل بهم، للإنتقام من هذه المدينة العصيّة المزعجة.
جُنّ جنون القذافي الذى كان يريد إعترافات بن غلبون صوتـًا وصورة،
أثناء مُداولات القضيّة داخل المحكمة. فأمر بجلب خبراء من دول
المعسكر الشرقي وبعض الدول العربيّة المتخصصة بإمتياز في مثل هذه
القضايا، ويضيف المقدم هلال، لقد أجمعت كل تقارير الخبراء بعد أنْ
إطلعت على التقارير الليبيّة وما تعرض له المتهم أثناء التحقيقات من
عنف مفرط، على إفتراضين. الإفتراض الأول إما أنْ يكون محمد بن غلبون
لا علاقة له بهذه الحادثة لامن قريب ولا من بعيد، والإفتراض الثاني
يقول هناك بعض الأشخاص حسب التجارب التى درسناها، لاتنهار تحت أشد
أنواع العذاب ولا تفقد قدرتها على التفكير، في احْلك الظروف، وهي على
استعداد، لأن تموت من أجل ما تؤمن به، وما تخطط له فى المستقل، وقد
يكون صاحب هذه القضية من نوعيّة هذا البشر.
إنتهج القذافي خلال السنوات الأولى من حكمه البغيض
سياسة المخادعة، واللعب على جميع الحبال وكان يُطبق سياسة المثل
الشعبي ((ياكل ويْـقـَيـّسْ))، فبعد تلك الحادثة التى وقعت عام74 م
توقف مؤقتـًا عن برنامج تجنيد البنات الذى كان يشرف على إعداده
شخصيـًا، لتفكيك البُنـْية الإجتماعيّة الليبيّة لإهانتها في شرفها
وعزّتـِها، ولأنّ القذافي كما تعلمون يحمل في داخله عقدة نـَسـَبـِه
التى جعلت منه تارة ينتسب الى الإمام الكاظم ومرة ينسب نفسه لقبائل
الساقية الحمراء ذات الجذور العربية، وتارة ينسب لقبائل ((العنزة))
العربية في الجزيرة العربية وخاصة فرع قبيلة العنزة في دولة الكويت،
ولعلكم سمعتم أيها السادة ماصرح به الشاب محمد سيد قذاف الدم على
استحياء عن علاقة آل قذاف الدم، بالمدعو معمر القذافي، فقد قال الشاب
محمد بن سيد قذاف الدم إنّ معمر القذافي ليس من أبناء عمومتنا!!، ومن
هذا الواقع المرير الذى سيطر على شخصيّة القذافي أراد أنْ يشيع
الفاحشة، فى المجتمع الليبي حتى لايكون الشخص الوحيد المجهول النسب.
كان، لمعاناة القذافي من هذه العُقدة بالغ الأثر على كل تصرفاته عبر
مسيرته العرجاء تجاه الشعب الليبي، فنكل بالجميع وتجاوز كل المحرمات،
والنواميس المتعارف عليها دون خجل، أوْ وَجَـل!.
عام 80 م \81 م، وبعد توقف دام قرابة ست سنوات بعد
حادثة بيت الطالبات، في بنغازي راود القذافي حنينه، ليروي ظمأه،
بإذلال شعبه، فأصدر " فرمان " من داخل خيمته المزركشة، من " الباب
العالي" في معقله باب العزيزية، وكان نـَصّ هذا " الفرمان " إنشاء
الكليّة العسكريّة، للطالبات الحاصلات على الشهادة الثانويّة، وحاول
فرض هذا القانون، بتجريم أولياء اُمور الطالبات في حالة رفضهم، لهذا
القرار، ومارس الترغيب، والترهيب، وشجع الطالبات على عدم طاعة أولياء
أمورهنّ، فأيّ مصلحة يجنيها الوطن، من هذه الرذيلة المـُقــَنـّعـَة
بحق الله يا عباد الله؟ أفِـيْـدُوني أفادكم الله.
إنـْزلق العديد من بناتنا، في قاع هذا البئر السحيق
المظلم، وفي نفس الوقت إمتنعت الكثير من الاُسر عن الإذعان، لهذا
القرار، وأوقفوا بناتهم عن الدراسة، وبعد سنوات قليلة أصبحنا نسمع
ونشاهد العميد فلانة، والرائد ركن فلانة، والعقيد فلانة.
إستغول القذافي، وفلت عِياره الطائش وصار يُحَـرّض
جهارا نهارا على قتل كل من يخالفه داخل الوطن وخارجه، وقادته نذالته
الثوريّة الى محاولة تسميم أطفال المواطن فرج إكسودة، بمدينة
بورسموث، وشـَكـَل مفارز إنتحارية من قتلة وأصحاب سوابق إجراميّة،
وكان يتباهى بمشروعه الدموي الذى أطلق عليه دون حياء ((التصفيّة
الجسديّة)).
إستطاعت كلاب الدم بـتعليمات مُباشرة من " شـَرّاب
الدم" أن تسفك الكثير من دماء المناضلين الشرفاء، في معظم عواصم
العالم، وقد دفن كل الشهداء الذين قتلوا خارج الوطن، في المنافي، ولم
يجد أحدا منهم قبرا يواري جسده الطاهر، في أرض أجداده!!.
يوم صلاة الجنازة على الشهيد محمد مصطفى رمضان، الذى
قتل خارج مسجد ريجنت بارك بقلب لندن وبعد اداء صلاتي الجمعة،
والجنازة أمام جموع المصليين يوم 11 أبريل1980 م وبعد الصلاة على
جثمان الشهيد محمد مصطفى رمضان يوم 18 أبريل 1980 م أذكر يومها اننى
كنت برفقة السيد محمد عمر البكوش والأستاذ حسن بن دردف والأستاذ صلاح
السويحلي للمشاركة في تشييع جثمان الشهيد.
كان المسجد غاصًا باللجان الثوريّة، وقد حاولوا منع
إمام المسجد من إقامة الصلاة، لكن جموع المصليين من العرب، وبقية
المسلمين الذين فرضوا بالقوة إقامة الصلاة على الشهيد، وتدخل البوليس
البريطاني، وفض "العِراك"، واقيمت صلاة الجنازة، وعند خروجنا من
المسجد تناهت إلى مسامعنا عبر وسائل الإعلام إغتيال مواطن ليبي اخر
هو الشهيد محمود نافع.
تم نقل جثمان الشهيد محمد مصطفى رمضان الى مطار هيثرو
بلندن لنقله الى طرابلس لدفنه هناك، وبعد وصول جثمانه رفض "شراب
الدم" دفنه فى طرابلس، وعاد جثمان الشهيد محمد مصطفى رمضان ودفن فى
مدينة لندن، وخرجت علينا صحيفة الزحف الأخضر بإفتتاحية بالخط
الأخضرالعريض تقول إن ارض المجاهدين ترفض أنْ تدفن فيها الجيف
النتنة، والكلاب الضالة!! كـُل أملي أن لايكون كاتب هذه الإفتتاحية
الأستاذ عبدالرحمن شلقم الذى كان قريبا جدا من الإعلام، وبعيدا عن
قرارات الإعدام حسب مايقول مُحبيه. هذه الأيام يدور الحديث عن شروط
المصالحة التى يشترطها الهاربون المنهزمون القتلة، واللصوص، بزعامة
المجرم اللص عجوز المواخيرالمتصابي أحمد قذاف الدم الذى يطالب بالكشف
عن مكان دفن الطاغيّة وإقامة جنازة لسيده الذى نبش قبور ابنائنا،
وأبائنا ومشائخنا وهتك اعراضنا وقتل الألاف من خيرة أبنائنا، وبناتنا
خلال مسيرته الدموية اللعينة.
أعود بحضراتكم الى صاحب قضيّة بيت الطالبات المجندات
المتهم محمد عبدو بن غلبون، ففي عام 78 م ضاقت عليه الأرض بما رحبت
نتيجة الإضطهاد الممنهج الذى يتعرض له الوطن، ومواطنوه ومع أنـّه قد
صدر بحقه قرار من المحكمة، بإخلاء سبيله نهائيـًا، لعدم توفر ادلة
إدانة تـُدينه، وأصبح من الناحيّة القانونيّة بريئـا، إلا أنـّه عاف
حياة الذل، والمهانة، وَعد خطواته وأنفاسه، في بلاده، فقد بسطت أيادي
الإجرام سيطرتها على البلاد، والعباد، وأصبح الشعب بكاملة متهما لدى
سيادة الملازم.
غادر محمد بن غلبون ليبيا أواخر عام78 م الى بريطانيا،
وكان العمل الوطني، في المهجر يتحسس خطاه، بإتجاه تكوين الفصائل،
والتنظيمات التى شكلت لاحقـًا، للمعارضة الليبيّة، في المهجر، في تلك
الفترة إلتقيت بالسيد محمد بن غلبون بلندن في شقة يقيم فيها الصديق
العزيز السيد محمد عمر البكوش الذى كان برفقة طفله المريض آنذاك جلال
بمنطقة اكوينز وي، وبقي محمد بن غلبون، في ضيافة صديقه القديم محمد
البكوش قرابة ثلاثة أيام. كان محور احاديث محمد بن غلبون يدور حول
مأساة ومعانات الوطن، وكيف السبيل، لردّ الضيم، والعار المعيب الذى
جلبه الملازم لوطننا؟.
رغم ساعات الحوار الطويلة التى كانت
تدور تلك الأيام، في شقة السيد محمد عمر البكوش لم يتطرق محمد بن
غلبون، لقضيّة بيت الطالبات، وكان حديثه منكبـًا حول إمكانيّة التصدي
لهذا الحاكم الفاجر المستبد، بكل السبل، وحين أخبره محمد البكوش
بأننى على صلة وثيقة، بالدكتور عبدالرحمن السويحلي، والأستاذ صلاح
السويحلي وأتعاون معهم في مجلة صوت ليبيا المعارضة. كان محمد بن
غلبون يصغي، بإهتمام لحديث محمد البكوش عن علاقتي بالدكتور عبدالرحمن
والأستاذ صلاح السويحلي، ومجلة صوت ليبيا المعارضة، فاستشفيت من
اهتمامه بأنه يرغب فى العمل المعارض لكننا لم نفاتح بعضنا في ذلك
اليوم، وقبل أن يغادرنا الى مقر إقامته في مانشيستر تبادلنا أرقام
هواتـفنا، وعناويننا، ومن حينها إستمرت بينناعلاقة اُخوة ومودة،
وإحترام، ليومنا هذا أدامها الله ....
يتبع
|